هيئة الأمم
بما أن المسلمين أمة عظيمة من الأمم التي تسكن كرتنا الأرضية، فإنه يهمها أن تعيش في سلام مع غيرها من الأمم، وأن تشاركها وتتعاون معها في الرقي بالمجتمع الإنساني، وفي البحث عن حلول للمشكلات التي تواجهنا جميعاً، طبيعيةً كانت أم سياسية أم اجتماعية. وهيئة الأمم المتحدة منبر من أحسن المنابر لتحقيق ذلك. لكننا نرى أن استمرار هذه المنظمة في أدائها لهذه المهمة العظيمة رهين بإقرارها لثقافات الشعوب المكونة لها، وقيمها وخصوصياتها، وأن تكون وسيلتها للتغيير في المسائل التي تختلف فيها الثقافات والحضارات هي الحوار والتفاهم بالتي هي أحسن، وألاَّ تتحول إلى أداة تستغلها بعض الدول أو الجماعات لفرض معتقداتها وقيمها، وقمع المخالفين لها. وعليه فإننا نود أن نؤكد باعتبارنا أمة إسلامية أننا لا نأخذ معتقداتنا وقيمنا من مصادر غير كتاب الله وسنة رسوله – صلى الله عليه وسلم -، وأن هذين المصدرين الإسلاميين يمثلان قانوننا الأعلى الذي نحكم به على غيرهما، فنرفض ما يتناقض معه، ونفسر في نطاقه ما نراه موافقاً له. وكما أن هذا الموقف مقتضى ديننا فهو أيضاً مقتضى حرية الدين التي وردت في الإعلان العالمي للحقوق الإنسانية؛ إذ إن هذه الحرية لن يكون لها معنى بالنسبة لنا إذا كان غيرنا هو الذي يفرض علينا كيف نفهم ديننا، وماذا نأخذ منه وماذا ندع، ثم يعاقبنا إذا نحن لم نلتزم بما أَمَرَنا به!
في ضوء ما سبق نقرر رفضنا القاطع لبعض ما ورد في مقررات مؤتمر بكين متعلقاً بالعلاقة الجنسية، ونرى فيه دعوة إلى الإباحية التي لن ينتج عنها إلا مزيد من التفسخ الخلقي، والتفكك الأسري، وانتشار الأمراض التناسلية، وتعزيز النزعة الفردية، وما يتبع ذلك كله من زيادة في الجريمة، وتهديد لأمن المواطنين وسلامتهم. لكننا نقر مع ذلك أن المرأة تعاني عالمياً من ظلم يجب أن يرفع عنها، ومن فقر يجب أن يزال، وأن هذا إنما يكون بالتعاون بين الجنسين باعتبارهما مخلوقين بشريين تحركهما الحجج العلمية والدوافع الخلقية. ولن يتحقق أبداً بإثارة جنس على جنس، بل يُخشى أن تؤدي مثل هذه الإثارة إلى صراع تكون المرأة في نهايته هي الخاسرة.
ويسرنا أن نشارك غيرنا من شعوب العالم في حل هذه المشكلات مهتدين بديننا وتجاربنا وتاريخنا، ومستفيدين كذلك من فكر غيرنا وتجربته وتاريخه. وعليه فإننا في مجال إزالة الفقر ندعو دول العالم وأفراده إلى أن يطبقوا فريضة الزكاة الإسلامية، ولو فعلوا لما بقي على وجه الأرض فقير ذكراً كان أم أنثى. كيف لا، وهي ضريبة سنوية مقدارها 2.5% من رأس المال، تؤخذ من الأغنياء وتوزع على الفقراء، وأن يطبقوا المبدأ الإسلامي الذي يجعل من حق كل إنسان أن يعيش حياة كريمة ما دام المجتمع قادراً على ذلك. ونضم صوتنا إلى المنادين بإزالة الآثار السلبية للعولمة وما ينتج عنها من زيادة فقر الفقراء، واستغلال عمل النساء. ونرى مع غيرنا أن مما يساعد على تخفيف الفقر عن البلاد النامية أن ترفع عنها الفوائد الربوية على الديون التي تقترضها من الدول الغنية؛ فإن هذه الفوائد قد صارت عائقاً لهذه الأمم عن كل نمو اقتصادي. وفي مجال التعليم نرى أن يشمل التربية الخلقية التي تغرس في المرأة الاعتزاز بما ميزها الله به، وترضى به، ولا تحاول أن تلهث وراء تقليد الرجال ومنافستهم فيما ميزهم الله به (وَلاَ تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ) [النساء: 32] وأن يفهم ما يمتاز به كل من الجنسين بأنه وسيلة للتعاون بينهما، وتكميل للواحد منهما بالآخر، وعون على بناء الأسرة واستقرارها، وتحقيق لمصلحة الأولاد.
وفي مجال الموازنة بين عمل المرأة خارج بيتها وبين واجباتها الأسرية نرى أن يطبق المبدأ الإسلامي الذي يلزم الرجل بالنفقة على زوجه وأسرته، ويجعل ذلك حقاً لهم، وأن تعين الدولة كل امرأة تفضل البقاء في بيتها لتربية أولادها وإعانة زوجها. إن عمل المرأة خارج بيتها ينبغي أن يُنظَر إليه على أنه ضرورة اقتصادية لا أمر يقتضيه تكريم المرأة واحترامها.
البيان العدد 154 – شوال 1421 هـ الموافق سبتمبر 2000م