نظرات فكرية في السياسة السودانية
707

جريدة الميثاق الإسلامي ، الأحد 4 أبريل 1965م

نظرات فكرية في السياسة السودانية

لماذا نطالب بأن تكون للأحزاب فلسفة تسير عليها؟

لأن الحزب الذي ليس له فلسفة ليس حزباً.

لأن مهمة الحزب هي توضيح المباديء التي يسير عليها والطريقة العملية التي تنفذ بها هذه المباديء.

كما أن الحزب الذي لا يملك فلسفة قد يكون مصدر خطر على الأمة لأن عضويته تكون وسيلة لتحقيق المطامع والوصول إلى الحكم فقط وهذا النوع خطره على الأمة جد عظيم.

لماذا نحب أن نفرق بين الفلسفات والبرامج؟

إننا ينبغي أن نفرق بين الفلسفات والبرامج.  فالفلسفات ليست تجميع بين مطالب وشعارات الناس وجعلها في قائمة واحدة ثم نقول إنها فلسفتنا فهذا ليس صحيحاً، كما أن البرامج ليست هي الفلسفة.  فالفلسفة هي توضيح وجهة نظر في الحياة تكون ديناً للإنسان، لهذا كان يقول الرسول صلى الله عليه وسلم كما في القرآن الكريم (لكم دينكم ولي دين).  إذن الفلسفة هي تحديد وجهة نظر كاملة للحياة بصرف النظر عن نوعها، وتحديد وجهة النظر في الحياة تحدد السلوك العملي في الحياة.  فالإجابة على أسئلةٍ كهل لهذا الكون إله؟  هل هذه الحياة نهاية النهايات … إلخ تحدد مباديء أساسية في الحياة تؤثر على التطبيق العملي في الدنيا.  لذلك مجرد تجميع المطالب والشعارات لا يغني لأن فيصل التفرقة ليس المطالبة فقط بالشعارات ولكن الإيمان بها والعمل لها.

كثيراً من الناس وخصوصاً المثقفين يعتقدون أن هذه الشعارات التي تمثل واقعنا ليست موجودة في الدين.  فهم يقولون لماذا لا ندع الدين وننظر إلى مشاكلنا الواقعية ونحملها عن طريق فلسفة الخطأ والصواب.  ولكن –كما يقول الميثاق المصري إن تجربة الخطأ والصواب لا تجدي إلا في إطار نظرية.  علينا أن نحدد الهدف ثم نسير عليه وترينا التجربة العملية صحة أو خطأ هذه الأشياء.  أما البدء من لا شيء فغير ممكن وأي إ نسان ليست له وجهة نظر إما أن يكون خطراً على الحياة أو يكون ريشة في مهب الفلسفات التي تمر عليه لأنه لا يستطيع تكوين رأي.  أما الذي له وجهة نظر وفلسفة في الحياة  فيملك مقياساً يستطيع على ضوئه تبيان الأشياء.  والمجتمع السوداني يرينا أن الاتجاهات الإسلامية والماركسية هي التي تملك فلسفات في هذا البلد.  أما مسألة الروح الإسلامية والتسامح… إلخ فهي أشياء لا تجدي إذا أُخذت مجزأة.  ومن مميزات جبهة الميثاق الإسلامي أنها تعتبر الإسلام أساساً تبني عليه بنياناً، فكل رأي وكل عمل نريده أن ينبع من الإسلام وعلى هذا يكون مقياس الحزب الإسلامي.  ومن تجربة الجمهورية العربية التي يجب أن يطلع عليها المثقفون في هذا البلد من ضمن اطلاعهم على تجارب البلدان الأخرى نرى أن مسألة تجميع الشعارات ومحاولة تجميعها في فلسفة قد فشلت ثم محاولة الجمع بين النظرية الماركسية والاتجاه الإسلامي في فلسفة اشتراكية متميزة عن الإسلام وعن الفلسفة ا لماركسية قد فشلت أيضاً.  كل هذا دليل على أهمية الإيمان بفكرة واحدة متكاملة.

محنة المثقفين في هذا البلد

أما المثقفون في هذا البلد فيعيشون في محنة لأنهم لا يؤمنون بشيء.  فهم لا يريدون الإيمان بالشيوعية، كما أنهم لا يؤمنون بالإسلام عن جهل به، ويحاولون الإيمان بقيم غربية غريبة عن مجتمعنا.  ونحن نرى أن من يريد أن يكون جاداً لا بد أن يؤمن بفكرة ويعمل لها.

 ماذا نريد؟  ما هي برامجنا العملية؟

هذا ما يسألنا عنه الناس

أهم شيء نريده ونظن أننا قد نجحنا فيه أن نحدد الاتجاه الذي تسير عليه البلاد، وهذا من أهم الأشياء في فترات الانتقال، كما أن الحديث في التفاصيل في هذه الآونة لا يجدي كثيراً والمهم هو أولاً تبيان الاتجاه، واتجاهنا هو الإسلام ونحن نريد أن نبني حياتنا في كل جوانبها عليه..

 نقول إننا قد نجحنا في تحديد الاتجاه إلى الآن ودليلنا على ذلك أن كل الليالي السياسية الآن تتكلم عن الإسلام بينما كان الحديث عن الإسلام في الماضي يثير الضحك ويوصف بالرجعية، ولكنه أصبح الآن بضاعة رائجة لحديث كل الناس.

ومع تحديدنا للاتجاه الإسلامي العام حاولنا أن نحدد اتجاهات جوانب الحياة الإسلامية في السياسة والاقتصاد والاجتماع … إلخ  ففي السياسة أوضحنا الشكل الدستوري الذي نريده من جمهورية برلمانية رئاسية تقوم على الحرية والشورى إلخ.  أما الناحية الاقتصادية فقد تحدثنا فيها ولعلها من المسائل التي تريد كثيراً من الحديث بشكل عام وقبل أن نتحدث عنها نريد أن نوضح مهمة ومفهوم الدولة في الإسلام.  فالحديث عن هذا يلقي بعض الضوء على كثير من المشاكل.