بين الفردية والشورى
كان الكاتب الأمريكي هوارد فاست Hoard Fast شيوعياً فترك الشيوعية وكتب في نقدها كتاباً أسماه Naked God أو المعبود العريان. ذكر فيه أن ستالين لم يكن فرداً يحكم روسيا فحسب لكنه كان ظاهرة عالمية في الأحزاب الشيوعية كلها بما ذلك الحزب الشيوعي الأمريكي وذكر أمثلة غريبة للطريقة المستبدة المذلة التي كان رئيس الحزب الأمريكي يعامل بها الأعضاء بمن فيهم “فاست” نفسه. قرأت هذا الكتاب عندما كنت طالباً بالجامعة وذكرت ما جاء فيه لبعض زملائنا الشيوعيين، وكان ذلك بعد زوال ستالين، فأيد ما قال فاست وأضاف “كنا في ذلك الوقت (نُشلِّت الزملاء)”. تصوروا طالباً بالجامعة يرضى بأن يركله طالب مثله لأنه رئيسه في فرع الحزب بتلك الموسسة!
لا أعرف جماعة إسلامية وصل الأمر فيها إلى حد “التشليت” هذا، إلا ما كان من أمر أتباع محمود محمد طه الذين غلوا في طاعة صاحبهم حتى عبدوه من دون الله، وهو حال أسوأ من ذل الركل بالأقدام، لكن عزائنا أن تلك رغم اسمها لم تكن جماعة مسلمة. وعلى ذكر محمود نذكر أنه كان في مرحلة من مراحل دعواه التي تسلط بها على رقاب بعض الناس زعم أنه “وصل” وأنه لذلك لم يعد مكلفاً بما يكلف به غير الواصلين من أعمال الصلاة والصيام والحج وغيرها، ويبدو أن أحد الأتباع كان طموحاً فقال لهم ذات يوم “أحب أن أزف لكم البشرى بأنني قد وصلت ليلة أمس.” فلما اعترض بقية الأتباع على دعواه أفحمهم بقوله “هل وصلتم أنتم؟” قالوا: لا، قال “إذن لا تناقشوني لأن هذه درجة لا تعرفون عنها شيئاً” فتركوا أمر مناقشته للواصل الأول، فكانت النتيجة أن فصله من الحزب؛ لإن الحزب لا يتحمل واصلَين، كما أن الزريبة لا تتحمل ثورين كما يقول المثل السوداني؛ قلت: إنني لا أعرف جماعة إسلامية وصل الأمر فيها إلى حد الرضى بالركل والضرب، لكنني أعرف جماعات رضيت لنفسها –باختيار منها، وبإغراء من زعمائها- أن تنتقل رويداً رويداً من مبدأ المشاركة في اتخاذ القرار وجعل الأمر شورى بين أعضائها إلى تكريس السلطة في يد القائد، وتفويضه في اتخاذ كل القرارات أو جلها، فكان لابد لها من أن تذوق بعض الثمار المرة لهذا التكريس.
مجلة منار السبيل، السنة الأولى، العدد العاشر، شوال 1413هـ الموافق أبريل 1993م