الصلة بين ظاهر الإنسان وباطنه
الحمد لله والصلاة والسلام على سيد المرسلين وبعد:
جعل الله سبحانه وتعالى لكل إنسان باطناً وظاهراً. باطنه هو قلبه وعقله، وما في هذا القلب من معتقدات وتصورات، وما تنتجه هذه المعتقدات والتصورات من مشاعر وميول ورغبات. وباطنه هو هذا الجسم وتصرفاته. لكن ظاهر الإنسان وباطنه ليسا عالمين مستقلين مفترقين، بل إن بينهما اتصالاً وثيقاً، وتأثيراً متبادلاً. فالباطن هو الأساس، وهو المحرك للظاهر والمتحكم في تصرفاته، وهو الذي يتقرر به صلاح الإنسان وفساده، وجزاؤه عند الله أو عقابه، لأن الباطن هو المقرر، وأما الظاهر فإنما هو منفذ ومعبر. (يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى إن يعلم الله في قلوبكم خيراً يؤتكم خيراً مما أُخذَ منكم.)
(ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله.)
(إنما الأعمال بالنيات. وإنما لك امرئ ما نوى.)
لكن حكمة الله اقتضت أن لا يكون هذا الظاهر منفعلاً فحسب، بل قد يكون أيضاً فاعلاً. فهو حين ينفذ ويعبر تعود تصرفاته هذه فتؤثر على الباطن، إن خيراً فخير وإن شراً فشر.
ولذلك فإذا كان الباطن منطوياً على خير عام لا يعرف تفاصيله، فلا يفلح في أن يرسل إلى الظاهر رسالة واضحة به، أو يرسل إليه رسالة لا تتناسب مع الخير العام الذي هو مجبول عليه، فإن الظاهر قد يكون على حال تناقض الباطن، ثم تعود فتؤثر فيه تأثيراً سيئاً.
ولهذا فإن صلاح الإنسان لا يكتمل إلا بقلب مريد للخير، متصور له. فالإرادة وحدها لا تجدي كما أن التصور وحده لا يجدي. قال تعالى: (تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شئ قدير. الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً.)
فقال العلماء العارفون: إن حسن العمل لا يتم إلا بشرطي الإخلاص والصواب. ثم قالوا: الإخلاص أن يكون مبتغى به وجه الله والصواب أن يكون على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهذا الذي قالوه مأخوذ من عدد من نصوص الكتاب والسنة. فالله تعالى يقول مثلاً: (ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكوراً.)
فجعل شرط سعي الآخرة المشكور إرادةً للآخرة وإيماناً، وهما مسألتان قلبيتان، وسعياً مناسباً للآخرة وهو عمل ظاهر، أو على الأقل لابد فيه من عمل ظاهر.
منار السبيل، السنة الثانية- محرم 1414هـ يوليو 1993 – العدد1- صفحة 3
سلسلة ثمار الأفكار