عدو العدو: أصديق دائماً هو؟
388

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وبعد:

من القواعد الباطلة التي تتحكم أحياناً في سلوكنا البشري ما يكون مضمراً لا يفصح عنه الإنسان حتى لنفسه، لأنه ربما لا يكون هو واعياً به، بل ربما أنكره إذا ما رآه مصرحاً به، لذلك كان كشف هذه القواعد السلوكية المضمرة والإفصاح عنها ومناقشتها من أحسن وسائل التقليل من شرها وإقناع الناس بعدم الخضوع لها.

من هذه القواعد الباطلة أن عدو العدو هو دائماً صديق، أو أن صديق العدو هو دائماً عدو.  كل منا يعرف بعقله ومن تجربته أن هذا ليس بصحيح.  لأنه يعرف أن العدوين قد يشتركان في أمر يجعل كلاً منهما عدواً له، ولأنه يعرف أن الأمر الذي يتعاديان بسببه قد لا يكون له علاقة بذلك الأمر الذي جعل كلاً منهما عدواً له، ولأنه يعرف أن من يصادق عدواً لنا قد يصادقه لأمر لا علاقة له بالأمر الذي جعله لنا عدواً. لكننا في حياتنا الواقعية كثيراً ما نسير على هذه القاعدة التي نعلم بطلانها من الناحية العقلية والتجريبية.

من أضرار هذه القاعدة الباطلة أنها تفقد الفرد أو الجماعة أو الدولة الاستقلال في اتخاذ المواقف، بل تجعل عدوها –من حيث لا تشعر- هو الذي يقرر لها مواقفها، لأن موقفها سيكون دائماً هو الموقف المضاد لمن تراه عدواً لها، فثناء إعلامه على جهة ما يدعو للارتياب في أمره وهجومه عليها يدعو للثقة بها والثناء عليها.

من أضرارها أن العدو إذا عرف هذا الضعف في من تُسيِّره هذه القاعدة الباطلة، أمكنه أن يستغلها أسوأ استغلال.  فما عليه ليجعله يعادي جهة ما إلا أن يُظهر الود نحوها ولو كان في الباطن خصماً لها، بل قد يكون هذا العداء الظاهر بترتيب معها، وما عليه لكي يجعلها ترتاب في أمر فرد أو جماعة أو دولة إلا أن يظهر الود نحوها والثناء عليها ولو كان في الباطن عدواً لَها.

إنَّ العقلاء الجديرين بالنجاح في عملهم هم الذين يتخذون مواقفهم بمقياس مبادئهم وبمراعاة لمصالحهم، ولا يجعلون غيرهم يقرر لهم ذلك سلباً أو إيجاباً.  إن ديننا يحذرنا من أن يحملنا بغضنا لعدو على الاعتداء الظالم عليه، فكيف لا يمنعنا من أن نجور في حكمنا على غيره فنعاديه وهو يستحق الموالاة أو المناصرة، أو نواليه أو نناصره وهو يستحق المعاداة والمواجهة.

(ولا يَجْرِمَنَّكم شنآن قومٍ على ألا تعدلوا.  اعدلوا هو أقرب للتقوى)

مجلة منار السبيل، السنة الثانية، العدد الرابع، ربيع الآخر 1414هـ، الموافق أكتوبر 1993م