من قواعد الدين .. المحافظة على حسن سمعة المسلمين
148

مازالت أفئدة الخيرين من البشر في أنحاء الأرض كلها تهوي إلى الإسلام لأنها  تجده دين الحق والعدل:

وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً

ولذلك كان من حكمة الله تعالى أن يسد في تشريعه كل  ثغرة يمكن أن تنفذ منها شبهة تُشكك في امتياز دينه  بهاتين الخصلتين  فتجعله يبدو للناس كأنه دين يتضمن باطلاً أو ينصر ظلماً.

 ولتأكيد الاهتمام بحسن صورة هذا الدين في أذهان الناس، كان من قواعده المهمة أن يمنع كل قول أو عمل يؤدي ـــ في حالة من الأحوال ـــ إلى تشويه هذه الصورة حتى لو كان العمل في نفسه مشروعا!!. لكن أناسا من المنتسبين إلى الإسلام جعلوا التدين ضيقا في العطن وتبلداً في الإحساس وعدم اكتراث بما يقوله أو يشعر به غير المؤمنين من الناس. بل ربما ظنوا  هذا التبلد وعدم الاكتراث دلالة على قوة الاستمساك بالدين. مع أنه في حقيقته عدم فقه به،  بل وصدٌ للناس عنه.

ما ذا  يقول أمثال هؤلاء في قول الله تعالى لعباده المؤمنين من أصحاب رسوله الكريم  “(وَلَوْلَا رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُّؤْمِنَاتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُم مِّنْهُم مَّعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ ۖ لِّيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ ۚ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا)“. في هذه الآية الكريمة ييبين الله لعباده العلة في منعهم من دخول المسجد الحرام لمقاتلة أعدائهم المعتدين من المشركين. العلة هي أنه كان بمكة آنذاك أناس قد آمنوا ولم يكن المسلمون يعرفون ذلك عنهم. فلو أنهم دخلوا على الكفار ربما قتلوا بعض إخوانهم هؤلاء. ما ذا كان سيحدث حينئذ؟ سيعيرُ الكفارُ المسلمين بأنهم لا يُبالون حتى بقتل  إخوانهم، وربما شاع هذا بين الناس فصدقه بعضهم. ولئلا يحدث هذا الأمر الشنيع، منع الله المؤمنين من عمل هو في أصله مشروع لأنه كان سيؤدي في تلك الحال إلى أن تصيب المسلمين بسببه معرة.

وكيف يفهم أمثال هؤلاء قول الرسول صلى الله عليه وسلم ” (لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه”)؟  قال صلى الله عليه وسلم هذا عندما اقترح عليه بعض اصحابه قتل بعض المنافقين. فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يعلل عدم أخذه برأيهم بأن أولئك المنافقين لا يستحقون القتل وإنما علله بأن قتلهم يشوه صورة الإسلام في أذهان الناس. فالمنافقون في الظاهر للناس هم من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فقتله لهم هو فيما يبدو لهم قتل لأصحابه. لكن قتل الأصحاب ليس مما يتناسب مع دين يقوم على الحق والعدل. لو كان الحكم في هذا  إلى بعض ضيقي الأفق عديمي الفقه اولئلك لقال قائلهم ما دامت الحقيقة أنهم منافقون فسأقتلهم و لا يهمني ما يقول الناس.