عبدالناصر دكتاتور آثم 1\2
163

جريدة الميثاق الإسلامي ، جمادى الأولى 1385 هـ الموافق فبراير 1965

اعلم أن هذا العنوان سيصخ آذاناً لم تتعود إلا سماع مدح الرئيس، وسيغشي أعيناً لم تتعود إلا رؤية اسم الرئيس مقروناً بعبارات الثناء والحمد والتقديس.

 

سيزعج هذا العنوان أقواماً من الشيوعيين لا يُكنّون كبير احترام للمسمى عبدالناصر، ولكنهم يرون في حكمه فرصة سانحة لتوسيع نفوذهم وبث آرائهم وتوثيق عرى الصداقة مع دولهم، وأداة طيعة لمحاربة الفكرة الإسلامية بتشويه معالمها وتحريف نصوصها، وإبعادها عن واقع المجتمع، والقضاء إن أمكن على روادها وطلائعها الواعية.  وكل هذا تمهيداً للانقضاض على عرش مصر يوم يزول هذا الطاغية… ولكن هيهات!!

 

 ولكن رغم أن هذا العنوان سيزعج الشيوعيين الماكرين المارقين، ورغم أنه سيقلق الناصريين، ورغم أنه سيثير بعض المخلصين الطيبين، رغم كل ذلك فلابد من كتابته في صدر هذه الكلمة، ولابد من الجهر به.  لماذا؟  لأنه هو الحقيقة الكالحة وراء أستار الزيف، ولميلسان الزور التي أفلح المنافقون في إسدلها على شخص المدعو ناصر حتى راجت الأكذوبة على كثير من المخلصين الذين لو تيسر لهم معرفة هذا الطاغية على حقيقته لتقربوا إلى الله بلعنه، ولعملوا كل ما في وسعهم لإزالته عن صدر الأمة المصرية المسلمة التي طال صبرها وطالت شكاتها.

 

عبدالناصر ديكتاتور آثم

 

هذا ليس سباً لعبدالناصر، ولكنه وصف له بما هو أهله.  إن لم يكن عبدالناصر ديكتاتوراً فليت شعري من الديكتاتور؟  وما معنى الديكتاتورية؟  وإن لم يكن هذا الطاغية المتكبر مجرماً فلتُمح من الوجود كلمة “آثم” لأنه لا مدلول لها إذا جُردت من أوضح مدلولاتها.

 

 عبدالناصر ديكتاتور آثم.  من هو الديكتاتور؟

 

يخيل إلى بعض الناس أن الرجل لا يبلغ أن يكون ديكتاتوراً إلا إذا صرح بأنه لا يحترم أمته، وأنه سيعمل على تجويعها وتخويفها،  أما الذي يعلن أنه يعمل لرفاهية الأمة ورفع مستواها، ومحاربة أعدائها، فهو مبرأ من وصف الديكتاتورية مهما كان مستبداً بالحكم، لا يسمع رأي أحد، ولا يسمح لأحد بالاعتراض على رأيه.

 

والإنسان في رأي هؤلاء كالحيوان في يد ملك، حسْبُه منه أن يطعمه ويسقيه ويقيه، فإذا ضمن له هذا فله الحق كل الحق في أن يفعل ما يشاء كيف شاء، وقديماً قال الشاعر العربي في مثل هذا النوع المنحط من البشر:

 

 دع المكارم لا ترحل لبغيتها ** واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي

 

دع المكارم لا ترحل لبغيتها  واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي؟ نعم… إن الإنسان،الذي يستحق أن يسمى إنساناً، ليس هو الذي يكتفي بأن يأكل هو ويشرب ويلبس، ولكنه الذي يجد نفسه مسوقاً بدافع الكرامة الإنسانية المغروزة في طبعه، لأن يشارك في إطعام الآخرين وكسوتهم وتوفير الأمن لهم.  ولا تكون هذه المشاركة إلا إذا كان له كلام يُسمع ورأي يأخذ طريقه إلى التنفيذ.

 

فالديكتاتور إذن هو الذي يريد أن يحكم بغير مُشير ولا شريك ولا معقب لحكمه، إنه الرجل الذي بلغ من الغرور درجة تصور له أن رأيه دائماً هو أحسن الآراء وأصوبها، وأن الآخرين إما جاهلون أو مغرضون، فهم في كلا الحالين لا يستحقون أن يعبروا عما يرون.  ولا يكتفي الدكتاتور بأن يحس هو في نفسه هذا الإحساس بل إنه ليحرص كل الحرص على أن يراه الآخرون كما يرى هو نفسه.  ولهذا فإنه يعمل جاهداً لإيهام الناس بأنه هو وحده الرأس المدبر، والعقل المفكر، والقلب الحاني، والملاذ الأخير الذي إن غفل منهم لحظة اكتنفتهم الخطوب من كل جانب.

 

ولكي يصل إلى هذه الغاية فلابد له من دعاية عريضة تذكر الناس بشخصه وبالآئه وأفضاله، وبعظمته وقوته، وبالفارق الكبير بينه وبين البشر العاديين من عباد الله المساكين.

 

 هذه بعض خصائص الدكتاتور وهذه بعض دوافعه الأساسية سواء كان يبتغي من وراء ذلك تجويع أمته وإذلالها، أو كان يبتغي اشباعها ومحاربة أعدائها.  إن هذه في رأيه وسائل لغايته الأساسية فأيها كان أبلغ في تحقيق أهدافه سلكه.  وتغيير الخطة متروك للطواريء والظروف.