عبدالناصر دكتاتور آثم 2\2
129

جريدة الميثاق الإسلامي، العدد: 71، 26 جمادى الأولى 1385 هـ الموافق 22 فبراير 1965

قلنا في العدد السابق إنّ أكبر هَمٍ لكل دكتاتور أن يجمع كل السلطة في يديه وأن يزداد كل يوم قوة، وأن يرى نفسه آمراً ناهياً مُطاعاً.  فإذا كان الطريق إلى هذه الغاية تجويع شعبه وتجهيله وتأخيره اتبع هذا الطريق.  وإن كان اشباعه ومحاربة أعدائه أو كان غشه بأنه يفعل ذلك له، لم يتردد في اتباع هذا الطريق أيضاً.  وقلنا إن تغيير الخطة متروك للطواريء والظروف.

 

ولكن حتى إذا اختار الدكتاتور طريق اشباع الأمة والعمل على راحتها المادية فإنه لن يبلغ هذه الغاية في النهاية وإن تراءى للمخدوعين في البداية أنه سائر نحوها لا محالة.

 

إن الدكتاتورية بطبعها متناقضة مع هذه الغاية.  إن كبت الحريات وإذلال الرجال المخلصين لابد أن يؤدي إلى كوارث مادية، أو على الأقل يفوت كثيراً من المكاسب المادية التي كانت ستنال في جو من الحرية.  ذلك لأن الكفاية المادية لا تأتي بمجرد الأماني، ولكنها تأتي بعد توفير أسبابها وتوفير الأسباب يحتاج إلى الفكر النيّر والعمل المخلص، وهذا هو الذي تعمل الدكتاتورية على محوه ومحقه.  فالدكتاتورية إذن نظام عقيم لا يمكن أن يؤدي إلى خير مهما كانت نوايا الدكتاتور القائم على رأسه.

 

 عبدالناصر دكتاتور آثم

 

ومن شك في ذلك فلينظر إلى أوصاف الدكتاتور التي ذكرناها وليسأل نفسه: هل تنطبق هذه الأوصاف على هذا المخلوق؟  فإن كانت فلابد من تسميته بما يدل على سلوكه.  وإلا فليخبرنا، لماذا لا يريد أن يطلق هذا الوصف عليه؟  ألأن ما قدمناه ليس وصفاً صحيحاً للدكتاتور؟  إذن فليتكرم علينا بالوصف الصحيح.  وإن كانت الأخرى، أي إن كان الوصف صحيحاً لكنه لا ينطبق على عبدالناصر، فليبين لنا كيف.  إن كل الذين هبوا للدفاع عن عبدالناصر لم يستطع واحد أن يقدم حجة واحدة على أن الرجل ليس دكتاتوراً.

 

 ولكن الذي أرفضه رفضاً باتاً أن يقول إنسان إن الوصف وصفه ولكن ليس من اللياقة اطلاقه عليه لأنه رئيس دولة شقيقة، ولأن هذا الوصف يجرح شعوره وشعور سفيره.  أرفض هذا رفضاً باتاً، أرفضه باسم الإسلام الذي نعتز باعتناق مبادئه ومحاولة السير على هداها.  أرفضه لأنه ليس من أدب الإسلام ومن شيم الكرام مداهنة اللئام أو ملاينة الطغاة المستبدين المستكبرين من الحكام.

 

 إذن فعبدالناصر دكتاتور:

 

لأنه منذ أن جلس مكان سلفه فاروق لم يسمح لأحد بأن يوجه له كلمة نقد، بل عتاب.

 

ولأنه سخر الصحافة المصرية والإذاعة والتلفاز وسائر وسائل الإعلام للإعلان عن شخصه والتسبيح بحمده، فاسمه يذكر عدة مرات في كل عمود من كل صحيفة، وصورته بمختلف الأحجام والأوضاع لا تكاد تفلت منها صفحة، والإذاعة لا تكف عن التذكير باسمه مقروناً بكل عبارات التقديس والعبودية، والتلفاز لا عمل لكمرته إلا ملاحقة شخص الرئيس وفرضه على أعين الناظرين فرضاً، هذا إلى جانب السينما والمجلات والكتب وما لا أكاد أحصي من وسائل الدعاية.

 

ولأنه لم يطق أن يخالفه حتى من رفاقه أحد، فتخلص من معظمهم وهو في الطريق لأن يتخلص من سائرهم.

 

ولأنه بعد هذا كله لا يرضح لحكم القانون، ولا يرضى للناس أن يحتكموا إليه، فالقانون في “الجمهورية” هو رأي ناصر وأمره وهواه، فأيما رجل أو جماعة أمر بقبضها وحبسها وتعذيبها فُعل بها ذلك.  أيما حكم أصدره عليها فهو الحكم الذي لا معقب له، وما على المحاكم إن جاءها المحكوم عليهم سابقاً إلا أن تُمضي حكم الرئيس وتبالغ في الإساءة إلى المتهمين عسى أن يرضى عنها السيد الرئيس.

 

فخبروني بالله، ماذا تكون الدكتاتورية؟  ماذا يكون الاستعباد؟  ماذا يكون ادِّعاء الألوهية إن لم يكن هذا؟

 

 والله إنني لست أرضى، وإنني لواثق من أن انساناً في قلبه ذرة من إيمان أو من فطرة سليمة ليس يرضى أن يحكمه شخص كهذا ولو صب في فمه المن والسلوى وكفاه ما يهمه من شؤون العيش ومتاعب الحياة.

 

 إن الناس يريدون الخبز لتكتمل لهم الكرامة، لينطلقوا من قيود الذل التي يأتي بها الجوع، فهم لا يضحون بالكرامة في سبيل الخبز.  فكيف لوضع يذهب بالكرامة ثم يذهب بالخبز فلا يُبقى للناس إلا لباس الجوع والخوف