يوميات الميثاق: عن الصحافة والصحفيين، الشيوعية
111

جريدة الميثاق الإسلامي، العدد 90، 9 شعبان 1385 هـ الموافق 2 ديسمبر 1965

*  ليس من حق إنسان حزبياً كان أو غير حزبي أن يطلب من الصحافة أو يتوقع ألا تنشر إلا الخبر الذي يرضيه و أن لا يعبر محررورها إلا عن الرأي الذي يراه.  ولكن من حق كل إنسان على الصحافة كلها وعلى المستقلة منها بالذات أن تكون عادلة و أمينة، والعدالة تقتضي وضع الأمور أماكنها الصحيحة.  والأمانة تقتضي كشف الحقائق من غير تحيز.

 

 وبعد هذا، بعد أن توضع الأمور في أماكنها، وبعد أن تكشف الحقائق من غير تحيز، بعد هذا للمحرر أن يرى في كلمته ما شاء من آراء فآراؤه لا تعدو أن تكون آراء فرد من سائر الناس.

 

ولكن بعض صحفنا المستقلة لا تفهم مهمتها هذا الفهم المستقيم.  إنها تخلط بين واجبها الأساسي كأداة عادلة أمينة لاطلاع المواطنين على الحقائق التي يبنون عليها آرائهم، وبين مهمتها الثانوية كوسيلة للترويج لآراء المحررين واتجاهاتهم.  ومن ثم فأنت ترى معظم الأخبار مسوقة بطريقة تؤيد وجهة النظر التي تعبر عنها كلمة المحرر.  خبر عن هيئة أساتذة الجامعة يبرز بالعناوين الكبيرة وخبر آخر عن مجموعة أخرى تمثل الأساتذة الحقيقيين تمثيلاً أصدق يوضع في ركن قصي لا يكاد يُرى.  لماذا؟  لإن المحرر كان يود أن لو لم يظهر هذا الخبر.

 

إنني مؤمن بحرية الصحافة، لكنني مشفق على صحافتنا المستقلة، مشفق عليها لأنني أعلم أن كل أمر يقوم على الظلم والافتراء فلن يحيى طويلاً في أمة مفطورة على كراهية الظلم والخيانة.  مشفق عليها لأنني أعلم أنها بهذا السلوك الظالم تعطي المتضررين منها سلاحاً لهدمها.  يومذاك سيقل عدد العاطفين عليها.

 

*  إنني أكاد احتقر كل انسان منَّ الله عليه بشيء من وعي وأعطاه نعمة القراءة إذا كان لا يزال يتساءل هل الشيوعية إلحاد أم ليست إلحاداً؟  لا أحتقره لجهله ولكن لكسله وانحطاط همته، لأنني أتوقع من كل إنسان تعلم القراءة وأعطي شيئاً من علو الهمة أن لا يبقى حائراً مرتاباً في أمر من السهل عليه أن يجد جوابه في أقرب المكتبات.

 

ويبلغ الأمر حد الطامة الكبرى حين يأتي التساؤل من وكالة للأنباء لا من فرد عادي.  قالت وكالة أخبار الخرطوم للسكرتير العام للحزب الشيوعي إن عدداً لا يستهان به من السودانيين تساورهم الشكوك حول العلاقة بين الإسلام والشيوعية.  ولم تناقشه حين قال لها “إن السبب في ذلك هو الاستعمار الذي ألقى في روع الشعوب المسلمة أن الاشتراكية والشيوعية ضد الأديان” !!

 

لم تقل له إننا نعلم إن الشيوعية ضد الأديان وأن ما جاء في كتابكم الفلاني وعبر عنه الفيلسوف العلاني.  وذهب بي الخيال إلى صحفيين ومعلقين آخرين في بلد بعيد عن بلدي الكريم إلى صحفيين بريطانيين رأيتهم يناقشون القادة والوزراء نقاش العالم الخبير الذي لا يقبل الإجابة إلا بعد تمحيص وأخذ ورد يحرج القادة والوزراء.  وقلت لماذا يعجز محررونا عن أن يكونوا كأولئك.