تحريم الشيوعية
183

جريدة الميثاق الإسلامي ، العدد 16، صفحة 12

الجمعة 19 شوال 1387 هـ الموافق 19 يناير 1968

 النص على تحريم الشيوعية أصبح قضية سياسية وملحة وفيما يلي يبلور الأستاذ جعفر شيخ إدريس القضية والحجج المتعلقة بها.

 بدأ قبل بضعة أسابيع بعض الناس يهمسون بأنه لاداعي للنص بتحريم الشيوعية في الدستور الدائم وأنه يكفي النص على تحريم الإلحاد، والآن والمناقشات الجادة للدستور توشك أن تبتدي تحول ذلك الهمس إلى تصريح وإعلان وبدأت تُساق لحذف كلمة “الشيوعية” الحجج والمبررات.  وأنا وإن كنت أعلم علم اليقين أن بعض الذين يقودون لواء هذه الحملة لا يفعلون ذلك لحجج ولا لبراهين ولا لمبادئ أو نظريات وإنما نتيجة تآمر وتبرير تم بليل بينهم وبين الشيوعيين إلا أنني سآخذ حججهم على ظاهرها وأحاول تفنيدها.

·       قالوا إن الشيء الذي يأخذونه على الشيوعية هو الإلحاد ولا شيء غيره.  ونقول

1- وهل ثارت ثورة الناس على الشيوعية إلا لدعوتها الإلحادية؟  ولكن الإلحاد بالنسبة للمسلمين مسألة جوهرية لا تقبل المساومة، فكل دعوة تنطوي على الإلحاد فهي مرفوضة منذ البداية مهما كانت موافقتنا أو مسامحتنا لها في بعض تفاصيلها، فالوضع الصحيح أن نقول إننا نرفض الشيوعية لإنها ملحدة ولكننا نتسامح ونعطي الحرية لكل من يدعو لشيء آخر (لا يصطدم مع مسألة جوهرية) أتى به من الشيوعية أو من غيرها. أما أن نقول إن الشيوعية ملحدة، ونحن نحرم الإلحاد، ولكننا نحل الشيوعية فهذا منطق لا أكاد أفهمه.

2-  إن الحركة الشعبية التي جاء تعديل الدستور المؤقت نتيجة لها لم تثر على الإلحاد كمعنىً ذهني مجرد ولكنها ثارت عليه ورفضته في صورته المشخصة الحية الماثلة أمامنا وهي الحزب الشيوعي السوداني.  فتحويل هذا المطلب الشعبي المحدد إلى معنى ذهني معروف من الدين بالضرورة، تفريغ له من محتواه الواقعي الإيجابي ولعب على عقول الجماهير المؤمنة.  تصور لو أن أحداً من الزعماء وقف ليقول للجماهير المحيطة بالبرلمان أيام شعبان، مبروك! لقد استجاب البرلمان لمطلبكم فحرم الإلحاد لكن الحزب الشيوعي سيظل باقياً مشروعاً.

3- ما أظن أن أحداً ذاق حلاوة الإيمان وكره الإلحاد يسمح برؤية شيء اسمه الشيوعية أمام ناظريه ذلك لإن تاريخ العالم لم يَعرف –فما أظن- حركة كالشيوعية في مثل عدائها لله وسخريتها منه ومن المؤمنين وملاحقتهم ومطاردتهم ومحاولة القضاء عليهم بكل وسيلة سواءً كانوا يهوداً أو نصارى أو مسلمين. ومن شك في هذ فليقرأ تاريخ الحكم الشيوعي بروسيا ليعلم عن عدد الجبهات الإلحادية والجماعات الإلحادية التي كونتها وأعانتها الدولة لتنشر الإلحاد وتقضي على بذور الإيمان.

4- يقول البعض إن الشيوعيين أنفسهم لم يعودُوا متحمسين للإلحاد وأنهم بدؤوا يهتمون بالجوانب الأخرى في الشيوعية أكثر من اهتمامهم بالإلحاد.  وهذا خبر يسرنا ويثلج صدورنا وسنعمل جهد طاقتنا لتحقيقه، ولكن إذا كان بعض الماركسيين خارج البلاد العربية والبلاد الشيوعية قد بدؤوا يصرحون بشكهم في ضرورة الربط بين الإلحاد والماركسية وإذا كانت هذه الدعوة قد أثرت في بعض أفراد الشيوعيين ممن اطلعوا عليها أو فكروا فيها فإن الموقف الرسمي للأحزاب الشيوعية كلها ومن بينها الحزب الشيوعي السوداني ما زال هو الاستمساك بالماركسية الينينية التقليدية، ولم تثمر المحاورات التي أجراها بعض الناس معهم إلا في قولهم إنهم يحترمون الأديان، وحتى هذه لم تأت في ظني نتيجة اقتناع وإنما تراجع أمام الضغط الشعبي المؤمن.  إنه لا اعتراض لديَّ على استمرار الحوار والجدل مع الشيوعيين ولا مانع لديَّ من الاشتراك فيه، ولكن هذا شيء ومساومة الشيوعية على حساب مبادئنا شيء آخر.  فما دام الموقف الرسمي للشيوعية لم يتغير فإن موقفنا منها ينبغي أن لا يتغير.

وإذا كان الشيوعيون ليسوا حريصين على الإلحاد فلم الحرص إذن والاصرار على كلمة الشيوعية، التي أصبحت رمزاً لهذا المعنى البغيض؟  لماذا لا يتسمون باسم آخر كالاشتراكية لا إلحاد في مضمونه أو في ظلاله؟

5- ماذا يعني التعديل المقترح بحذف كلمة “الشيوعية”؟  لو أن هذه المادة جاءت منذ البداية خلواً من كلمة “الشيوعية” ربما استطاع المشرع فيما بعد أن يصدر قوانين تحظر الأحزاب الشيوعية باعتبار أن الدعوة إلى الشيوعية هي بالضرورة دعوة إلى الإلحاد لكن التعديل الجديد قد يؤكد أن روح الدستور تمنع مثل هذا التفسير وقد يؤكد أن الدعوة للشيوعية ليست –عند واضعي الدستور- محرمة وأنها لا تعني بالضرورة الدعوة إلى الإلحاد.

·       الحجة الثانية الأساسية التي يرددها بعض أنصار التعديل المقترح هي أن النص على كلمة الشيوعية قد يثير علينا ثائرة الدول الشيوعية وقد تعتبره موقفاً عدائياً وقد يوهن علاقاتنا معها. إلخ

ولكن هذه أيضاً حجة واهية

فنحن لا نريد أن ننص على محاربة الدول الشيوعية،

ولا على محاربة الشيوعية أينما حلت وحيثما حلت،

وإنما على الدعوة إلى الشيوعية في بلادنا.

وهذا ليس اعتداء منا على الدول الشيوعية ولكنه تأكيد لخلافنا الأيدُلُجي معها وصد لعدوانها علينا باتخاذ عملاء في بلادنا يروجون لمذهبها وسياستها، ومعاملة لها بأقل من المثل في محاربتها للإسلام والمسلمين.

وهذا كله لا يعني ولم يفهم منه أحد عدم التعامل مع الدول الشيوعية في كل مجال آخر فيه مصلحة لنا ولهم وشاهدنا على ذلك أن تحريم الشيوعية بتعديل الدستور المؤقت لم يدفعنا إلى قطع العلاقات مع الدول الاشتراكية ولا أوهى من صلتنا بها بل إن هذه الصلة كما ذكر لنا أحد السياسيين قويت وزادت في غيبة الحزب الشيوعي.